التخطي إلى المحتوى

تحفل المكتبة اليمنية بكثير من كتب تراجم الأعلام، التي بدأها المؤرخ الفقيه عمر بن علي بن سمرة الجعدي في القرن السادس الهجري عبر كتابه (طبقات فقهاء اليمن) الذي يعدَّ أقدم كتاب أُلِّف في الطبقات في اليمن، تلته سلسلة طويلة في كتب تراجم الأعلام عبر القرون المختلفة، وصولا إلى العصر الحديث، حيث عُدَّ كتاب (هجر العلم ومعاقله في اليمن) لمؤلِّفه القاضي المؤرخ إسماعيل بن علي الأكوع أوسع موسوعة ألفت في سِيَر الأعلام حتى مطلع الألفية الثالثة.

وقد تنوعت هذه المؤلّفات في منهجية اختيارها للسيَر الذاتية للأعلام، وكانت منهجية الطبقات التي بدأها ابن سمرة الجعدي وحصرها في طبقات الفقهاء حاضرة في مسيرة هذا الفن، حيث ألف المؤرخ محمد بن يوسف الجندي كتابه (السلوك في طبقات العلماء والملوك)، وتبعه في ذلك علي بن الحسن الخزرجي كتابيه (العسجد المسبوك)، و(طراز أعلام الزمن)، وتبعهما في هذا النهج حسين بن عبدالرحمن الأهدل في كتابه (تحفة الزمن في سادات اليمن واخبار ملوكها وامرائها اهل السنن)، وألف أحمد بن عبداللطيف الشرجي كتابه (طبقات الخواص) وألّف عبدالوهاب بن عبدالرحمن البريهي كتابه (طبقات صلحاء اليمن) وألف عبدالله بن سعد اليافعي كتابه (مرآة الجنان) وهذه الكتب في أعلام طبقات الصوفية.

ومن المنهجيات المتّبعة في تأليف كتب التراجم اليمنية أيضا المنهجية المكانية، حيث اقتصر كل كتاب بأعلام مكان بعينه، وفي هذا الشأن ألّف عمارة اليمني كتاب (المفيد في أخبار صنعاء وزبيد)، وألف عبدالرحمن الديبع كتابيه (بغية المستفيد)، و(الفضل المزيد)، وألف محمد عبدالجليل الغزي كتابه (عطية الله المجيد) وكل هذه الكتب في أعلام مدينة زبيد، وألف أحمد بن عبدالله بامخرمة كتابه (تاريخ ثغر عدن)، في أعلام مدينة عدن.

ومن الكتب التي يمكن تصنيفها في الإطار المكاني كتابا (المدارس الإسلامية في اليمن)، و(هجر العلم ومعاقله في اليمن) للمؤرخ إسماعيل الأكوع، حيث تقصّى في الأول المدارس العلمية، وفي الثاني هجر العلم في مختلف المناطق اليمنية، ورتّب فيهما الأعلام تبعا للأماكن التي ينتمون إليها.

ولعل المنهجية الزمانية كانت هي الأكثر إنتاجاً حيث ألّف الإمام محمد بن علي الشوكاني كتابه (البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع)، وألّف عبدالقادر بن عبدالله العيدروس كتابه (النور السافر في أخبار القرن العاشر)، وألف أحمد بن محمد قاطن كتابه (اتحاف الاحباب بدمية القصر: الناعتة لمحاسن بعض اهل العصر) والذي قصره على مجايليه من العلماء والأدباء، وألف إبراهيم بن عبدالله الحوثي كتابه (نفحات العنبر في تراجم أعيان وفضلاء اليمن في القرن الثاني عشر)، وألف أحمد بن محمد زبارة ثلاثيته: (نشر العرف لنبلاء اليمن بعد الألف)، و(نيل الوطر من تراجم رجال اليمن في القرن الثالث عشر)، و(نزهة النظر في رجال القرن الرابع عشر).

وفي رجال الطوائف والمذاهب ألف مسلم اللحجي كتابه (أخبار الزيدية)، وألف أبراهيم بن القاسم كتابه (طبقات الزيدية الكبرى)، وألف علي بن أبي الرجال كتابه (مطلع البدور)، وألف عبدالسلام الوجيه كتابه (أعلام المؤلفين الزيدية).

وقد تجتمع منهجيتان في كتاب واحد مثل المنهجيتين الفئوية والمكانية في كتابي (تاريخ الشعراء الحضرميين)، لعبدالله بن محمد السقاف، و(أنباء الزمان فيمن رحل من علماء بيحان) لعبدالله بن عبدالقادر العليمي باوزير والمنهجيتين الفئوية والمذهبية في كتاب (نسمة السحر فيمن تشيّع وشعر) ليوسف بن يحيى الحسني.

وقد مثلت هذه العناوين منجزاً ضخماً، إلا أن كثيراً ممن كتبوا عنها عابوا عليها تشتتها في مسارب مختلفة، وانحصار كل منها في جزيرة معزولة، وربما فوّت عليها هذا الانحصار إيراد أعلام جهابذة كان من حقهم أن يؤرخ لهم، فاستبعدوا بسبب التصنيف الحاد، كما عابوا عليها خروجها في كثير من الأحيان عن المنهج الموضوعي في إيراد الصفات والأحداث والوقائع إلى هالات من التهليل والتبجيل والتعظيم، مما جعل الحاجة ماسة إلى عمل موسوعي يجمع شتات ما تفرّق، ويعيد تقديم سير أعلام اليمن في منهجية علمية، ولغة موضوعية بعيدة عن الإطراء والتبخيس.

من هنا جاءت فكرة (موسوعة أعلام اليمن ومؤلفيه) التي صدرت منتصف هذا الشهر للدكتور عبدالولي الشميري، حيث جمعت هذه الموسوعة بين دفتيها كل أعلام اليمن من مصادرها المطبوعة والمخطوطة، ورتبتها ترتيبا أبجديا بعيدا عن المفاضلة الفكرية، وقدمتها إلى القارئ في كتاب واحد، وبطبعة أنيقة واضحة، استقصت أخبار الأعلام ليس فقط من سيرهم في كتب التراجم، وإنما أضافت إلى ذلك ما تشتّت من أخبارهم في كتب الوقائع التاريخية، مما يجعل هذه الموسوعة إلى جانب كونها مجمعاً للإعلام سجلاً يجمع كل تاريخ اليمن في مراحله المختلفة.

الأهم في الموسوعة أنها اشتملت على الأعلام المعاصرين من الساسة والعلماء ودكاترة الجامعات والشعراء والمؤلفين والفنانين ورجال الفكر والإعلام، وغيرهم ممن تنطبق عليهم شروط العلمية.

ولعلّ مما يميّز هذه الموسوعة أنّها ألِّفت بطريقة تلبي رغبة الباحثين، حيث عملت على استقصاء كل المؤلفات اليمنية المخطوطة والمطبوعة، مشفوعة بمعلوماتها المهمة، كما أنها اشتملت على فهارس تتضمن معلومات مهمة وفي غاية الدقة بأسماء الأعلام والمؤلفات والأماكن، وخاصة التاريخية منها، حيث تقدّم أجوبة لكل الأسئلة التاريخية التي تعتمل في أذهان الباحثين حول تاريخ اليمن أرضا وفكرا وإنسانا.

ومن الملامح البارزة في هذه الموسوعة أنها جعلت المعيار في علمية العلم شهرته في عصره، وكذا إنجازه لمعلم تاريخي أو فكري، أو تأثيره في عصره سلبا أو إيجابا، ومن هنا فقد التقى فيها أعلام اليمن على اختلاف مسالكهم: المفسدين والمصلحين، والقتلة والفاتحين، والجن والملائكة، فهذا تاريخ ينبغي أن يُقَدّم بكل صوره المعتمة والمشرقة.

صدرت الموسوعة في عشرين مجلدا من القطع المتوسط، مشتملة على أثني عشر ألفا واثنين من الأعلام في أكثر من أربعة عشر ألف صفحة، وهي ثمرة لمايزيد عن ربع قرنٍ من العمل الدؤوب والاستقصاء المضني قطعها المؤلف وفريق عمل الموسوعة، تتويجاً لعمل بحثي طويل ما يزال قابلا للإضافة والاستمرار ما بقيت اليمن ولادة علماً وفكراً وفناً وأدباً.

موسوعة أعلام اليمن