خاص_محمد دبوان المياحى

14055098_1743796279227516_1482681255786628629_nوهذا الذي كان يكتب مشاهد الحياة لنا مات، انطفأ في الجبل، وكان ينوى تسلق السماء، ما قبلت روحه التعايش مع جبل محني هامتة، تحسس وجع الصخور ثم ضرب على صدره وصعد يكفكف دمع الحجر، شعر بظمأها الحاد للحرية ، سكب روحه تحت الشجرة وقرر لقاء الله؛ ليخبره ان الطبيعة التي خلقها تستغيث به من بجاحة أبناءه القتلة ، قبض محمد حفنة من التراب ونام حتى الأبد، دخل في رحلة استغراق صوفية نورانية بغية تطهير المدينة من رجس التأريخ وعبث الزمن البربري، أظنه الأن يمضغ ظله على ضفاف فردوس الحرية، تحديدا على الجانب الايمن من كرسي ملك السماء …

حين يرحل الطيبون تفوح روائحهم بشكل مذهل، هذا المساء لم استطع حصر عدد الأشخاص اللذين يبكون رحيلك يا محمد صالح الشرعبي  هذا الموت الذي يضج حياة شاهد على حريرية الروح التي كنت تحملها قبل الرحيل، لماذا يرحل الملائكة سريعا ؟ كتب أحد الشباب سؤالا من هذا النوع يستفهم فيه عن اللغز الذي يخطف تماثيل بلدتنا الأكثر سحرا وعظمة . يقول فيلسوف قرطاجة: ان الطيبين طعام الموت الشهي والمفصل. أنا لا أدري كم بذل الموت من زمن يترصدك فيه ، لا يبدو انك من النوع الذي يستسلم للفناء سريعا، لا شك انك كنت هدفا مخطط له منذ زمن، وحين استوثق الموت من بحرك الذي خلقته في تعز ، احتشد وغدر بك في وضح النهار…

نحن لا نملك القدرة على تقبل فاجعة رحيلك، نظن هذا النبأ كابوس ليل حل بنا في المنام، يقول أخر لعله مزحة روح غليظ تحب ارباك نفوسنا ، نقلب الخبر ونهوي الى أعماقنا جيلا بعد جيل ، يتناقل الشباب صورتك وتضرب أرواحهم موجة لهب عنيفة، يقسم رفقائك ليثأرون لك كما لم يفعلوا من قبل.14040047_843927879072504_6783394076489164462_n

قليلا من الوجل يا موت ، لا تكن جبانا وتنهش جبهتنا في الظلام، دعنا نكمل مشهدنا الاخير بسلام، لا تقترب من اسوارنا الكبرى ، يمكنك الاستعاضة بشيء اخر غير هولاء، لم نعد نملك طاقة لتقبل فجائح من هذا الحجم، لقد استنهكنا الموت كثيرا كثيرا . لكن حتما ان رحيل هؤلاء يكون بمثابة سقاءا غزيرا يذكي جذوة العمل المقاوم بشكل كبير، يمنح رفقاء محمد طاقة غضب لاهبة ، يستنفر ذخيرة الارواح ويدفع بالمعركة شوطا كبيرا نحو الخلاص الأبدي، لقد كان محمد شحنة تاريخية ستشعل كل جبال تعز لتكمل تحررها من كل اسمال الزمان وجيشه …

منذ شهور وهو يبتدع مشهد اليمن الكبير، واخيرا رسم خطه العريض لنا وسقط قرب نهاية المشهد النهائي، سقط لتستيقظ تعز في الغبش حرة، ندية بأصابع فولاذية ونهود ما مسها بشر ، سقط لترتفع المدينة نحو السماء، سقط لنعلو في السفينة وننجو من هزء التأريخ، وداعا يا أخر انبياء قريتك ، يا حارس الجبل لك كامل امجادنا وقلوبنا يوم اللقاء، سنخبر الله انك دفعت دمك كي لا نهان، سنشكر الله لكونه خلقك درع لنا ، وفي تلك اليوم سنبشرك انا منذ رحيلك ظللنا احرارا حتى الأبد …

ضحكت المدينة اذ رحلت ، اندهشت لبطولة تحرس المدن من الانهيار..