التخطي إلى المحتوى

14705651_802127993260227_5344196293794808748_n_محمد المياحى
وحيد انا يا امي، مهجور واعزل في هذا الليل، بلا دولة تحرس وجودي المكشوف، ولا ملاذ آمن أؤوب إليه ولا فراش قريب منك، من يشتري مني هذا الشتات ويبيعني ساعة طفولة اتشمم فيه قميصك الذي يشبه السماء، يا امي يا سجدة اله طيب، يا دمعة آدم حين تاب، ويا سليلة مساءً مٌذّهباً بالشمس…

انت يا ذات الاصابع الفولاذية والقلب الذي لا ينام ، مٌدي ذراعيك يا امي لأعانق عينيك اللامعتين وأنفك المنتصب كسيف فارس مصقول وكناصية الخلد التي لا تلين..
كنت سأقول يا أمي : انك اليوم تتجلين كآلهة خفيفة تحت ماء نقي؛ لكنني خشيت ان ازعج الاخرين في يوم مولدي..

لقد خضتِ معركةٍ شريفةٍ وقاتلتِ الحياةَ المفترسة وخلقتِني، اوجدتنِي انا طفلك الملعون من الطين، وها قد بلغتِ عمرك الخمسين ولم يتمكن طفلك المشاغب ان ينقذك من عذابات الوجود، سامحيني يا امي فأنا فقير، فقير وبائس ولا املك سواك شيئاً…

اغرق حزنا حين اتذكرك، اعود اليك انا الشاب وتمنحيني انت العجوزة ما تملكين من ريالات، لو بعت العالم كله على أثرى شيطانٍ اصادفه لن اتمكن من الوفاء معك،
سامحيني يا امي، سامحيني فأنا ولدٌ تائه واشعرٌ بالخجل من الوجود، اخجل حينما اتذكر اصابع قدميك المملؤة بالشوك والحصى ولا استطيع ان افعل لك شيء، لا شيء سوى الصلاة والبكاء ونثر الكلمات هنا في هذا الفضاء الذي لايسعفني بشيء ولا تعرفينه انت ..

اتذكر يوم ميلادي جيداً :
لقد كنت يا اماه قبل عشرين عاماً من الان تملكين ثلاثة عقود صغيرة من المرجان تضعينهم على صدرك، وكنتٌ الهو بهم حين ارضع من حليبك..

اتذكر اقراط من الذهب كانت على اذنيك، والان سلبتك الحياة كل شيء، بعتِ كل ما تملكين لنكبر نحن، كبرنا كم كبرنا والطريق إلى السماء طويلةٌ، كبرنا ثم لم نمنحك مقابل دموعك في الصباح علينا سوى مزيد من الخوف على حياتنا…
صلواتك يا امي في الليل من اجلنا ودعاءك عند هطول الغيث لنا، كل هذه الهبات لن نتمكن من دفع ثمنها لك.. سامحيني يا أمي فأنا فقير وخائف .!

والان لا تصدقين ما قلته لك قبل قليل، فأنا احب الدلال عليك ، واحب نشوع حنانك عليّ من اصابعك وعينيك :
أيا شمس الله الدافئة، وقمر اكتوبر الاشهى، يا ذات الجبين اللبني ومصحف الوادي البهي..
يا امي إنني بخير وما زلت قادراً على خوض معركتي ومعركتك والانتصار لمشروعك المجيد، املك قبضة حديدية اخمش بها وجه الذين ظلموك، وفي صدري اسفار دعائك اللاهب واشعاع صلاتك في الغبش، يكفيني هذا الزاد .. يكفيني لانتصر واعود اليك ظافرا ومنتصبا على السحاب..
فقلبي يضخ كبرياء وأنفة وكلي عنفوان وقوة..
لن أهين ولن اخور حتى أتوجك ملكةً للوجود، وحاكمة ابدية على عرش من نور وذلك مقابل جور الزمان عليك..

يا لغة الفجر وأغنية البحّار، يا آية التوحيد ونكهة الفخار ، يا ماء الغزال واهزوجة الغمام يا امي تقدسي في منامك وغني كما كنت تغنين في العشي والابكار، سأصل يوماً الى حيث شاءت لي مشيئتك..
دعوتِ الله ان يمنحني طعاماً ومآوى في دراستي وها قد فعل ربك ما طلبتيه..
املك مصروفا يكفيني من الكفاف ولا بأس به ثم ان لي قلبا مغمورا بكلماتك انت اولا وبوحي الله ثانيا، وحين تجتمع كلماتك والوحي السماوي في ذاكرتي اكون محصنا من كل سيول الزمان وهزائم الايام..

انا بخير يا امي واشعر اني متحدٌ مع الكون، منقذف في قلب تيار الحياة، منغرس في نهر المزاج العام، هذا الضاج بأشواق الحياة؛ غير انني اهيم باحثاً عن دولة، دولة تجعلني اعيش بقربك حتى الابد، حتى النفخة الاولى في صور القيامة يا انت يا ملاكيِ يا هواء الصباح الناعم وخدود الشفق الخاشع و أٌولى رٌسل امك واخر انبياء ابيك…

والان
اتبع وصية محمود واقول :
اخترت يوم ولادتي لأرتب النسيان، نسيان آلام الوجود الذي يعذبني كل لحظة، نسيان مواقف الذل وزمن المهانة والاغتراب يجب ان نهيل التراب على كل هذه الاشياء، وبعدها هأنذا ولدت كيف اردت لا بطلا ولا قربان ،لا بطلا ولا قربان… انسان انا انسان

سلامٌ سلامٌ عليك يا رائحة الفجر الطرية ، وانت يا ابتي يا حارس بحر السماء وحاملا رآية الخلد، انتظرني لأكبر ثم ارسمك كفاكهة صيفية خضراء على جدار من ضوء وماء...

في عيد ميلادي : مِرسالٌ إلى أٌمي..! من طفلك الصغير: