التخطي إلى المحتوى
_شعب اونلاين _ خاص
كثافة الظل في ريحان العربقي دائما ما نبحث عن جديد الشعراء لكي نروي عطش الروح للقراءة. و نشفي غلة الإبداع . وكثيرة هي المرات التي يخذلنا فيها شعراؤنا فنعود منكفئين بعطشنا حين لانجد فعلا ما في ثنايا نصوصهم ، والسبب في ذلك هو أنهم يكررون أنفسهم بطريقة كلاسيكية باهتة وأفكار لا تتواءم والزمن الجديد و متغيراته المتسارعة . و مع ذلك يطل علينا بين الفينة والأخرى شاعر من الشعراء الشباب ليبعث في النص الشعري روحه ..فيتمثل لنا نتاجه مهرجانا حافلا من النصوص الحية الملامسة لتلابيب الوجدان ، مفعمة بالدهشة والجمال . (فضول الريحان ) كان أنموذجا حيا لهذا الأسلوب الإبداعي. فلقد تجاوز شاعرنا محمد العريقي معضلة الرتابة في الكتابة واستطاع أن يفك قيود التقليد في الصناعة الشعرية . و هذا هو ما استهواني لقراءة الديوان الباكورة للشاعر العربقي الذي سيجده القارئ أيضا حاضرا بقوة في أغلب النصوص إن لم يكن كلها فهو يهمس غالبا بصيغة المتكلم عن حاله .. لا بصيغة الواصف للحدث .. ويتحدث بصفة الصانع للمشهد ومركز دوران الحدث .. لا بصفة المشاهد من الخارج و المتابع عن كثب و حسب ..وهذه الميزة تجعل نصوصه أكثر بهاء وحضورا وأعمق وقعا وأكثر قربا من القارئ الباحث عن من يتحدث بلسان حاله . لذلك إستطاع أن يصنع لنصوصه كاريزما تمكنها من النفوذ الى المتذوق بقوة و ثقة : (( أهملت خلفي قبل حبك أعصرا قدكنت فيها خالق التعبير هذي تصلي كي أكون عشيقها والأخريات يصمن بضع شهور )) بهذا المستوى من الحضور والثقة وصناعة الهالة حول شخصيته وحول نصوصه أيضا نجده .. الشاعر العريقي في هذه الباكورة الشعرية إستند الى إرث لغوي وارف تمكن من تطويعه فيما يخدم فكرة النصوص في إطار المألوف من الشكل والخوض في التجديد في المفردة و إقحام العصري منها بطريقة خدمت فكرة نصوصه بلياقة. فقد إعتمد الشاعر على تقنية الدهشة والمفاجآة فهو يستبق المتلقي بغير ما يتوقع . ولقد خاطب العقل والقلب معا ومزج بين الواقعية والخيال وربط بين القديم والمعاصر بتجانس عجيب وقد يلمس القارئ كل هذا في نص واحد وذلك يعزز الظن لدي أن الشاعر له من الكتابات قبل (فضول الريحان) التي لم تنشر ما كان سببا في صقل تجربته و إنضاج صنعته. و لقد كان إبداع النصوص بهذه المهارة والقدرة على إختزال هذا الكم من المتناقضات في نص واحد دليلا على أن لشاعر تملك القصيدة وتملكته !. (( لكن صمتي رهبتي خوفي هنا هدمت على مرأى الجميع جسوري )) كم هو جميل ذلك الإنهزام الأنيق و الضعف الإنساني السامي الذي جبل عليه الإنسان فهو يهذب النفس الجامحة ويخضعها لمن تحب . وهذا ما يرسخ فكرة أن لا علاقة للقوة بالحب ، و أن لضعف في الحب لا يزيد المحبين إلا جمالا ونبلا .. وهكذا يصور الكثير من الشعراء فلسفة القوة والحب ، بما فيهم الشاعر الجاهلي والفارس القوي عنترة العبسي ، والأمثلة كثيرة في الشعر المعاصر . لقد جسد شاعرنا هذه الحالة من الضعف بصورة جلية واقعية كونها إحدى الركائز الأساسية لديمومة علاقة الحب وإحدى الصور المتفق عليها لدى كل شعراء الغزل إلا ما ندر . ونخلص مما سبق الى أن الشاعر يجيد إسقاط الألفاظ على الصور ويتعامل بواقعية مع كل ما هو واقع ..بينما يفرد أجنحة خياله في المواطن التي يجدر بها أن تشذب بالخيال دون إفراط ولا تفريط . وكما أن الشاعر يستند على قاعدة مورقة من اللغة فهو يستند على خلفية دينية لا بأس بها أيضا ، استطاع أن يستعرضها بشكل جلي في قصيدة (تفاصيل الشوق) بطريقة التطعيم والنقش حيث أحسن توظيفها بما يخدم فكرة النص . ( فيها تباشير الطفولة قصتي ونبي حب عصره لم يأت) ثم يستعرض بعدها الفكرة للنص بأدوات لا تخلو من حداثة المنهج ورصانة اللفظ ليعود في البيت السابع من النص فيعرض لنا عمق ارتباطه بثقافته الدينية : (( قد بشروني العارفون بحبها وببعثها جمعت لظى أشتاتي )) مرجعيته اللغوية في ذلك هو النص القرآني ( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أحمد) وذلك لأن الحب عنده عقيدة و لهذا بشر بمجيئها كما في الأديان . ولا تكاد تخلو نصوصه من ذلك الملمح الصوفي الجميل وذلك الفيض النوراني العذب .إضافة الى تصوف جميل إنتهجه لنفسه ليس له علاقة بالمذهب بل كان نابعا من صفاء روحه تجاه كل ما هو جميل . و لقد ارتبط التصوف_ لدى بعض الدارسين _ بديانات أخرى كالمسيحة والهندوسية والكثير من الديانات إضافة الى ديانتنا الإسلامية وبثقافات وحضارات متعددة رغم معارضة الكثير لهذا المبدأ . ومن منطلق التصوف اللا مذهبي كان لشاعرنا وقفات من السمو الذاتي المجرد الذي يسمو بالروح الى عالم نقي من الحب والجمال ويقوم سلوك المرء ويهذب علاقاته. لقد كانت تجربة العريقي في (فضول الريحان) أشبه بمغامرة صعبة تجاوزها باقتدار رغم تناوله لأغراض شعرية عميقة ومتنوعة ومتشعبة يصعب تطويعها في نصوص شعرية . فهنيئا له هذا الإنجاز وهنيئا لنا به شاعرا جميلا نطمح بتلهف أن نرى تجاربه القادمة بحول الله. و هناك في الديوان مناحي عدة لم يعرج عليها قلمي بهذه القراءة الانطباعية الخاطفة ، كانت و لا تزال جديرة بالتوقف عندها ، لكني تجاوزتها كي لا أحول بين الديوان و بين قراء الشاعر محمد عبد الملك العريقي ، الذين و لا شك ستكون لكل واحد منهم قراءته الخاصة التي ستثري تجربة الشاعر بكل الأحوال .  تعز فبراير

كثافة الظل في ريحان العريقي “قراءة نقدية “