التخطي إلى المحتوى

14055626_771109259695434_165449115_n

_محمد المياحي

يزحف الموت تجاه جبين جدي كل يوم، يحاول الامساك بلحيته ورأسه، ينوي مصادرة حقه في الحياة بدون وجع، ألّمحه يغور في تربة الموت كل لحظة، يفزعني مظهره المتآكل ، واخشى نبأ رحيلة المخيف، ان جدي ليس ملاكاً ؛ لكنني اشعر بحجرة تتدحرج داخلي كلما تصورت لحظة رحيله، احب شغبه ، ضجيجه، قصص حياته الخرافية، اتضجر منه احيانا، واعود لأحبه بكثافة، لجدي قصة حياة طافحة بالمغامرات، صخرية وثرية ، برائحة الزرع وطعم الغيوم، هو ابن دبوان الوحيد، تزوج ثمان نساء وكان يبتغي التاسعة فأقعده المرض، يداعب الاطفال في الطرقات، ويضحك مع الراعية في الجبل، في داخله بحر شهامة نادر الوجود، سيمنحك شربة الماء الوحيدة اذا ما كنت معه في الصحراء، متقبلاً أن يموت عطشاً على ان تحيا انت…
هذا العيد رفض ان يصافحني، ضحكت كثيراً وفاض قلبي حباً وهياماً به، كنت متشوقاً لتقبيل يديه المملوءة بأحافير الزمن؛ لكنه حرمني من نكهة التاريخ المسكوبة على ساقيه، شعرت بالاسى وغادرت ألهو واضحك من تكتيكة السحري في التعامل مع احفاده ، يا له من بشرٍ يخلط الحياة كما شاءت قريحته، يحبك ويرفض مصافحتك، يهجوك في الليل ويمتدحك لدى الخصوم، يضحك عليك ويفتخر بك، لقد نهرني بعنف واخافني ذات نهار يوم كنت طفلاً ثم ما لبث ان منحني مصروفا صباح الغد الثاني ماسحا بيده العنيدة راسي المرتعد قائلاً هذا محمد حامل اسمي من بعدي، سرت كبرياء الملوك في عمودي الفقري منذ ذلك اليوم وما زلت حتى اللحظة اتذكرها بحميمية نادرة .
يا جدي في كفك الجبلية تمائم سحر مشبوبة بريق نحلك الشهي، اخبرني من اين لك هذا الطعام فاني اريد عسلا كهذا الذي تضمخت به يديك وروحك؟
لقد اصبحت اتحاشى النظر في عينية مخافة الاصطدام بهذا الموت العاري المحلق فوق رأسه، ثم التفت واراك يا جدي تعض الحياة بقوة، وترفض الانصياع للموت بسهولة، انك تعتقد ان من حقك البقاء اكثر في هذا الوجود، كم انت تكره الفناء، تبغض التلاشي، وتنفر من العدم، وليس في ذلك خطأ، وما عشق البقاء بذنب ، بل هي الحياة : غريزة بشرية اشرس من الموت ، وتلك غواية الوجود الكبرى لكل نفوس البشر…
يا أبتي :
يا وحي الطين النقي ابق معنا ما استطعت، يا جدي العظيم يا عين نبي تقي،  لا تغمض عينيك فاني اخشى مواجهة الحياة بدونك ، غيابك يعني انفطار سماء القرية وتكسر نجوم الوادي ، هذه الزروع ستصير بلا أب، وهذا الجبل المقابل لدارك سيهوي اذا ما رحلت، انت يا ماء الحياة تمهل، ويا قمرا تعطرت به الارض لا تتركنا وترحل، اننا اطفال مساكين ستهزمنا الحياة بعدك ، ارجوك اعتذر للموت وابق معنا ما استطعت، ابق ولو لم تقبل سلامي، ابق ولو انت تبغضني حاول سرقة الحياة بكل السبل، الاهم ألا تستسلم للموت، فانني اخشى غيابك كثيراً يا مفتاح الكون واخر امطار العرش السخي ..

مجدداً :جدي يقاوم الموت