التخطي إلى المحتوى
خاص _قراءة : بكيل العذري

في (قيثارة حنين) يجب على القارئ تغييب المنطق حال القراءة وأستحضار القلب بكامل اندهاشه ..فحيث يحضر الجمال الموشى بخيال مستغرق في الغرابة حد الخرافة يجب على المنطق أن لا يحضر ..إذ لا مجال لإعماله في هكذا موضع
تميزت(قيثارة حنين)بكنايات واستعارات ومواراة جميلة حيث تتوارى شخصية الكاتبة بخفة الفراشة خلف البناء اللغوي النقي الذي لا يشوبه اللحن ولا يخطئ أن يصيب القلب على حين غفلة
لقد اعتمدت الكاتبة في غالب نصوصها على فتح حوارات كثيفة الظل مع حبيب مفترض تقمص أكثر من شخصية (مع انه ذات الحبيب)لتحادثه تارة بالمباشرة وتارة بالمناجآة بحسب حالته التي هو عليها في ذات النص
وتتميز كتاباتها بخلق واقع جديد وجرأة في المكاشفة والطرح دون التزام بالشكل البنيوي للقصيدة العربية فجميعها نصوص نثرية تتبنى مشروعا حداثيا
في الكتابة لذلك لم تقيدها المفردة ولا الشكل العام للقصيدة
(قيثارة حنين)في مجمله مادة خصبة للقراءة والإستغراق في لون كتابي جديد حيث المفردة الهادئة التي يقابلها صخب العاطفة .
هدوء يقابله انفعال صادق متزن دون مبالغة أو غلو .
هذا التجانس بين الهدوء والإنفعال وتحجيم الهوة بينهما يعد ميزة لا تتأتى إلا في حال العاطفة الصادقة حيث يغلب على شكل الحوار طابع المداراة والترجي المغلف بالحزم .
لقد استطاعت الكاتبة في قيثارة حنين أن تجير المفردات أو تتحايل عليها بطريقة مدهشة لتخضعها للفكرة التي تريد .
تقول:
(يمنح الحضور أجراس عيد
ويعلم الموسيقى
سلم ضحكات القلب)
لقد كان المنطق في النص هو أن تقول 😞 يعلم القلب سلم الموسيقى) لكنها أدركت أنه سيكون محض إنشاء وتكلف لا شاعرية فيه. فهو أمر معتاد . والمعتاد لا يصنع الدهشة . فاستطاعت أن تصنع من الجملة ما يمكن أن يستفز القارئ بهذه الحيلة الجميلة.. حيث أعطت صفة التعلم للموسيقى وليس للقلب .وبها خرجت من المألوف الى غير المألوف .
كان هذا الفصل الأول حيث الثراء التصويري وحيث المفردات البسيطة التي تناسب هذا النوع من الأغراض الكتابية .
في الفصل الثاني كانت أكثر جرأة في التمادي في الحلم فهي تسترسل في المناجاة ثم تنتقل الى مرحلة جديدة
وهي:( الحلم بتحقيق الحلم) ثم تتجاوز هذا الأمر لتحدد شكل اللقاء وماذا يمكنها أن تمنح غائبها حال اللقاء
تقول :
(سأخلع معطف حزني
سألبس عينيك عبائتي
وأبحر باتجاه قلبك
شراعي نداؤك
ودفتي حبك
ومجدافي عذوبة تسكن صدرك .)
وهذا الإنتقال محبب ومحسوب لها إذ أن الدوران في الحلقات المفرغة واستمرار فرضية: ألا عودة للحبيب، ينهك النص ويفرغه من محتواه ويجرده من حداثته .فهو يعد غرضا مستهلكا كتب فيه الكثير من الشعراء والأدباء قديما وحديثا.
يقول الشاعر عمرو بن معد كرب اليماني :(ذهب الذين نحبهم ..وبقيت مثل السيف فردا) والأمثلة كثيرة في الشعر المعاصر وفي القصة والرواية وفي كل ألوان الأدب .
ويتمثل الجزء الثاني من (قيثارة حنين )بمجموعة إضاءآت قصيرة يغلب على حواريتها فيه صيغةالأمر(إفعل)وصيغة التسويف تباعا (سأفعل).
كانت صيغة الأمر مفادها الترجي لا الفوقية وصيغة التسويف مفادها الإنتظار واللهفة لا التأجيل والتأني.
وما بين الترجي واللهفة ترزح مسافات شاسعة على ما يبدو لكنها تحاول إختصارها بمفردات مباشرة ومركزة حيث لا تستحسن التورية هنا حتى لا تكون مضطرة للحشو والإسهاب في حين هي في حالة إختصار للمدى .
ومن خلال الإبحار في الجزء الثاني من قيثارة حنين يجد القارئ نفسه في مهرجان كبير من مكونات الطبيعة إستطاعت الكاتبة أن تطوعها فيما يخدم الفكرة فبين الكاتبة والطبيعة آصرة متينة وعلاقة إنتماء . فهي تمنح جمال الطبيعة وعطرها لمن تحب وتبوح لها بأسرارها العاطفية . وتشبه بعناصرها الجميلة حضور الحبيب . لذلك تلونت قيثارتها بألوان الورد وصخب الطبيعة وهدوءها أيضا .
ومما يلمح القارئ ل(قيثارة حنين ) أن الكاتبة تتكئ على ثقافة عاطفية راقية تمكنت من عصفها وقولبتها على شكل إضاءآت قصيرة ومشاهد حوراية ودرامية مستغرقة حد الإشباع في عمق رومانسي طاغ يتمكن من الوصول الى القارئ بسلاسة وإنسياب.
تحاشت فيها غريب الألفاظ وتراكيب الجمل المعقدة فهي تعزف على الوتر الرخيم ليعود إليها صدى ما عزفت قبل أن يرتد الى القارئ .
إن لهذا النوع من الكتابة جمهوره العريض في الماضي والحاضر فحيث وجدت الحياة وجد الحب . واللغة وحدها من تخلد الحب وتنقله الى الأجيال .
وقيثارة حنين ستنقل الى الأجيال حالة حب نقي نقلته إليهم لغة عذبة و عاطفة متجاوزة للزمن

إطلالة على جماليات: قيثارة حنين للكاتبة الأردنية :أميمة الرباعي