التخطي إلى المحتوى

احمد-محمد-قاسم-عتيق

د. أحمد محمد عتيق

توالت الأحداث دراماتيكياً، اختلطت الأوراق بالصورة التي كشفت عن ارتباك الواقع السياسي لدى صانعي القرار في اليمن، وعدم مفهومية هذا الأمر لدى عامة الشعب. السبب في هذه المسألة يكمن في عدم إغلاق الهوة أو الفجوة الحادثة في العلاقة ما بين العامة والنخبة السياسية، ما يؤدي إلى عدم التواصل الشفاف والصادق بين مكونات المجتمع وشرائحه الاجتماعية من ناحية، وبين مكوناته السياسية التي يبدو أنه قد غلب عليها في صناعة الحدث الركون إلى اللاعب الرئيسي “المندوب السامي الحوثي” وعليها ان تستقبل نتائجه من ناحية أخرى.
هذا التيه سببه غلبة الرخاوة السياسية لدى قادة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، ما أدى إلى لامبالاتها في مجريات الأحداث للمشهد السياسي في اليمن، فحدث الذي حدث، وحتى لو بدت هذه النخب والمكونات تعبر عن موقفها في ما يجري؛ الا أن هذا التعبير بدا عند البعض خجلاً، والبعض مترددا ومتذبذبا والآخر خائفاً ومرتبكاً، وان كان هذا الموقف واضحاً إلى حد ما عن سابقيه، والمتخلف هو الوحيد الذي يدرك ماذا يريد، اذ رسم الخريطة الجيوسياسية ليعرف حركته أين تبدأ، وأين تنتهي، أين مداخل التحرك ودعم هذا التحرك داخلياً وخارجياً من ناحية، وفي الوقت ذاته رسم خريطته السوسيوسياسية مدركاً تأثير الأبعاد الاجتماعية التي لو أهملها فانها قد تعوق حركته، وتحد من تحقيق أهدافه، كما أنها قد تُجهز على ثورته المدّعاة في حالة تنبهها لما وراء هذه الثورة، حقيقته ومآلاته من ناحية أخرى
.
بل ان ما اسميه «المندوب السامي الحوثي» طور نفسه على المستوى السياسي وقبل لعب دور الحاضر المختفي في مفاوضات وتشكيلات الحراك السياسي، بما فيها الذي يحدث الآن في أكثر من عاصمة غربية وعربية، يحضر ليوقع الاتفاقات، ويساهم في كتابة البيانات المعبرة عن آمال الشعب في التحرر من هذا الوضع الذي غابت فيه الدولة عن دورها ليكون الفراغ المرتبك هو البديل الأسوأ
.
وهذا الحاضر المختفي، الذي كما اسلفنا يحرص على الوجود في مفاصل الحياة السياسية، بينما هو يختفي في حالة تنفيذ الاتفاقات، ولا يلتزم بما يصدر في البيانات، خاصة أن أهدافه تطورت، ويريد أن يحققها بعمليتي المد والجزر في تعامله مع السلطات المحلية في المحافظات المستهدفة، والمراد السيطرة عليها
.

فالمناورة وامتصاص الغضب وشراء الذمم، أو استخدام القوة إن تطلب الأمر ذلك؛ هي الأساليب التي يتبعها، لاسيما في ما نشهده من رخاوة شديدة في المنظومات السياسية، والقانونية الرسمية والمجتمعية.
نلاحظ أن هذه الحالة خلقت أطماعا وطموحات عند قوى خارجية أرادت اليمن ساحةً لتصفية الحسابات والتعويض عما فقدته في مواطن كانت مهمة لها على المستوى الجيوسياسي في الوطن العربي
.
وفي اللحظة ذاتها تخلى داعمون ولاعبون سياسيون عن دورهم في اليمن، وهذا الدور يعد مفصلياً، خاصة في جوانبه الاقتصادية، ويمثل استمراره إبقاء الوضع في ما بين مرحلتي الحرب والسلم، وإن كان إلى السلم أقرب في حالة تنبه قوى المجــتمع السياسية المختلفة إلى أهمية الاستفادة من هذا الحضور، أما غياب هذا الدور فإنه يُفرغ الميدان السياسي للاعب يمارس صلفه كيف يشاء، وعلى القوى الاجتماعية والسياسية، محلياً وإقليمياً ودولياً تحمل المسؤولية عن النتائج التي قد يُفضي إليها هذا الصراع بما تنعكس خطورته على المحيط الإقليمي والمصالح الدولية المتصلة باليمن
.
وهنا لابد أن نشير إلى أن توقف المساعدات الاقتصادية عن اليمن من قبل دول الخليج، والدول والمنظمات المانحة الأخرى، سيصيب الحياة السياسية والاجتماعية في مقتل، بل انه سيكرس الحاجة للدفاع عن النفس بين القوى والمكونات السياسية، ما يؤدي إلى تعميق عملية الصراع، فتفقد سلطات الدولة آخر حضور لها في نفسية المواطن البســـيط، فتجتمع عوامل الصوملة والسورنة واللبننة في آنٍ واحد فتقضي على جسم الدولة وهيبتها ودورها، ليكون الأقوى في عملية الصراع المحتدم هو المتمكن كما يعتقد في بسط نفوذه، وهذا لن يتحقق لطرف ما سيخلق تفكيراً بتقوقع كل طرف في جهة جغرافية ليتخندق فيها سياسياً ويعلن هويته الخاصة على حساب الهوية الوطنية الجامعة، فيتمزق اليمن، وتتعدد المصالح لتحضر بدلاً من المصلحة الوطنية العليا
.
وهنا لابد من التفكير جدياً في العمل الحقيقي الذي من شأنه تحويل آمال وطموحات المواطنين في اليمــــن إلى حقيـــقة واقــــعة، بدلاً من أن تظل أملاً في السراب ننتظر تحقيقه، وهذا لن يتأتى طالما أن العامة مشغولة في تأمين لقمة العيش صعبة المنال، والنخبة مشغولة في تحقيق مكاسب آنية وخاصة، بينما الوطن غائب عن ذهن الجميع رغم إدعاء الكل السياسي عكس ذلك
.