_صامد السامعى 14102215_1102530779836084_6781070145485345862_n
في “صبر” حرب ومآس وأبطال يخلقون كل يوم.
لم يكن رجل الدبابة (جمال سلطان) أول بطل في صبر ولن يكون الفتى (عبد الله) آخرهم؛ فعندما نتحدث عن صبر فحتما نحن نتحدث عن أبطال استثنائيين من أمثال الشهيد الشاب (مبارك هزاع) والمعلم مدير مدرسة السعادة بالشقب الشهيد (هشام عبد السلام) وعندما نتحدث عن الأبطال فنحن نتحدث عن صبر بطريقة أخرى.
في الشقب بصبر الموادم حيث المعارك دائرة اليوم وحيث تحقق المقاومة انتصارات متتالية كل يوم يعيش الفتى عبد الله عبد السلام الذي يعتبره أهالي الشقب بطلهم الذي لا يتوقفون عن الحديث عنه ويقول أحدهم إنه “اسطورة حية”.
والحقيقة ان عدداً كبيراً من المواطنين في الشقب أثبتوا بطولات لا تضاهى ودحروا الانقلابين، ولا يزالوا بعزيمة عالية يقدمون كل التضحيات، بيد ان بطلنا الصغير كان متفرداً ولم نتوقع منه هذا الدور.
خلف الانقلابيون مئات الألغام في المناطق التي طردتهم المقاومة منها بعد أن اذاقتهم من أمر الكؤوس، زرعوا الألغام امام المنازل وفي الطرقات (المخالف) وفي (الشعاب) كما خلفوا حقدهم الدفين لهذه المنطقة التي علمتهم دروساً في الشجاعة كان يفترض بهم حفظها عن ظهر قلب وترك السلاح والانصراف؛ فمن الشجاعة ايضاً الاعتراف بانك أضعف من ان تركع قرية كالشقب يتربى أهلها كل يوم على الحرية والكرامة.
يقول الأهالي في الشقب إن المعركة هناك معركتان؛ معركة ضد الانقلابين وجيوشهم المسلحة بكل أنواع السلاح ومعركة مع حقدهم الذي يخلفونه على شكل ألغام قاتلة.
مؤخراً مع تقدم المقاومة بدأ هذا الحقد يتفجر ويصيب الأهالي ويخلف قتلى وجرحى، وبدأت معاناة الأهالي مع هذا الموضوع فلا أحد يعرف من اين يمر ولا ماهي المناطق الآمنة وتلك التي غرس فيها الانقلابيون الموت.
تقول مصادر محلية إن 13 من أهالي المنطقة أصيبوا بانفجار الغام زرعت في أماكن مختلفة في القرية 5 منهم قتلى و8 جرحى اغلبهم فقدوا أطرافاً.
إحدى تلك الألغام وضعت في طريق عام واصطادت سيارةً لأحد الأهالي قذفت بها مسافة بعيدة بعد ان قسمتها نصفين، ومات في هذه الحادثة شخصان كانا على متن السيارة، كما استشهد البطل هشام عبد السلام نتيجة للغم انفجر فيه اثناء تقدم المقاومة والسيطرة على تبة الصالحين.
ومع قلة الخبراء في هذا الموضوع ورعونة أو انعدام اخلاق المليشيات التي تضع تلك الألغام في كل الأماكن وبعشوائية وبدون تخطيط بحيث تستهدف كل حركة، زاد الخوف لدى الأهالي وبدأ الحذر في التنقل كما بدأ متطوعون بحل هذا الملف الشائك.
يقول أحد سكان المنطقة تواصلت معه عبر الهاتف: إن المتطوعين يدركون انهم قد يكونون ضحايا في أي وقت لكن لا تراجع في هذا الموضوع، فحياة المئات من الأهالي بمن فيهم النساء والأطفال على المحك.
من هذا الخوف ومن تلك العزيمة ظهر طفل يدعى عبد الله عبد السلام لم يتجاوز الـ 16 ربيعا، لكن الألغام التي فككها قد تجاوز عددها 35 لغما حتى مغرب أمس الأول الثلاثاء 23 أغسطس.
وحتى مغرب أمس الأول أيضا كنت أجمع معلومات عن هذا الملف من مصادر محلية حينما دلني صديق على مصدر في المقاومة هناك سألته عن فتى يقال إنه ينزع الألغام في “الشقب” ويفكك العبوات الناسفة ويزيل الصواعق فرد بثقة “نعم، انه عبد الله عبد السلام وهو الان بجواري” ولم اصدق لحظتها انني أخيرا سوف اتحدث لبطل حقيقي.
تحدثت مع عبد الله عبر الهاتف، وللأمانة لم أحس بهذه الرهبة طوال عملي كصحفي يهاتف عدد كبير من المصادر كل يوم، لكن هذا اليوم لم يكن مجرد مصدر من أتكلم معه، كان بطلاً يدعى عبد الله.
قال بصوته الطفولي انه بدأ بالتعامل مع الألغام ومع هذا الخطر الكبير بعد ان بدأت تتفجر وتؤدي بحياة أهالي منطقته، وبعد ان اطلع بشكل كبير وحاول جاهدا معرفة كيف توضع هذه الألغام وكيف يتم نزعها وتفكيكها، لكن عددا من الأهالي ممن تحدثت معهم ارجعوا نجاحه للشجاعة التي يمتلكها وذكاءه الفطري.
أصر عبد الله على مشاركة المقاومة بما يستطيع بعد استشهاد الشيخ عبد الجليل الوجيه قائد مقاومة الشقب الذي قال إنه كان يرافقه ويجلس معه كثيراً وكان معجب به وبشجاعته، قال أيضاً انه حزين على فراق بطله عبد الجليل. والحقيقة أن الشقب حزينة على فراق كل شهدائها الابطال بدءاً بالقائد عبد الجليل الوجيه ومرورا بالمعلم هشام عبد السلام مدير مدرسة السعادة والقائمة تطول كما قال لي كثيرون من أهالي المنطقة.
بفضول الشباب وروح المغامرة تقدم عبد الله ليتعامل مع اول لغم اكتشفه في قريته، وبعد أن نجح، وكان لابد ان يفعل، أصبح واحداً من اهم الناس هناك حيث واصل رحلة البحث عن الألغام ونزعها وتفكيك العبوات الناسفة.
سألت عبد الله عن مدى معرفته بخطورة ما يقوم به فقال انه تعود وانه لا يخاف، وأضاف انه علم عمه كيف يقوم بالأمر.
ذكر عبد الله اثناء حديثي معه انه قبل يومين فجر 5 الغام لم يستطع التعامل معها حيث كانت مزدوجة ولم يعرف عددها “يقومون بوضع أكثر من لغم فوق بعض حتى إذا اخذنا الأول ينفجر بنا الثاني وأحيانا يضعون ثلاثة او أربعة ولذلك نضطر إلى تفجيرها باستخدام الأحجار”.
وأضاف ” فجرت 5 ألغام بالأحجار، وعلمت عمي كيف يتصرف إذا وجد لغما فبعض الأحيان يربطونها إلى قنابل يضعونها تحتها”.
لم يكن لدى الفتى اية خبرة سابقة، فقط لديه فضول ولديه حب لأهالي منطقته المهددين بالموت بشكل دائم.
تعامل عبد الله مع أكبر خطر كان يهدد المنطقة ومقاومة الشقب أيضا ونجح وبمساعدة كثيرين من تفكيك منظومة الغام زرعتها المليشيات في تبة الصالحين إثر اشتداد المعارك هناك واجبارهم من قبل المقاومة على الانسحاب بعد ان تكبدوا خسائر كبيرة، وكان من شأن هذه المنظومة ان تقتل العشرات بضغطة زر.
كانت المليشيات قد لغمت التبة كلها بشبكة الغام مربوطة لبطارية وضعت في منطقة بعيدة قبل أن تنسحب من التبة، وكان الهدف هو تفجير هذه المنظومة فور دخول المقاومة والسيطرة على التبة، بيد أن عبد الله تمكن وآخرين من تفجير هذه المنظومة بقنبلة يدوية.
قال عبد الله إنه حينما سيطرت المقاومة على تبة الصالحين بدأ بعمله في تتبع الألغام لنزعها، وعندما اكتشف أول لغم اكتشف حجم الحقد الذي تخبئه المليشيات للمنطقة، مضيفا بحزن “هناك الغام فردية زرعت أيضا بشكل متفرق وواحد منها اودى بحياة الأستاذ هشام عبد السلام”.
افاد صديق زار المنطقة قبل أيام انه التقى عبد الله وهو يرسم المناطق التي فيها الغام، حتى لا يخطئ أحدهم ويدوسها، وان عبد الله حذرهم أثناء مرورهم من أن الطريق التي يقصدونها مليئة بالألغام وأرشدهم إلى طريق أخرى طلب منهم ان يقصدوها.
وتابع “ذهبت برفقة أحد شباب المقاومة كي أصور المكان الذي استشهد فيه الأستاذ هشام عبد السلام الحاج في تبة الصالحين، وبمجرد ظهورنا بداية التبة تفاجأت بفتى لم يتجاوز الـ16 سنة تقريبا يحذرنا من عدم التقدم وصعود التبة لأنها مازالت مزروعة بالألغام، ظننته راع أو أنه من سكان المنازل القريبة للمكان”.
وزاد “تحدث صديقي المقاوم مع الفتى ولم يبد أي دهشة تجاه أوامره وتحذيراته، أخبره بأننا فقط نريد التقاط صور للمكان الذي استشهد فيه هشام الحاج، اصطحبنا معه إلى المكان الذي كان آخر نقطة يسمح بمرورنا اليها وهو ذاته المكان الذي استشهد فيه الأستاذ هشام بانفجار لغم”.
كان عبد الله قد وضع حجرتين متقابلين وفوقهما قطعة خشبية طولها لا يتجاوز 50 سنتيمتراً، ووجه كلام يشبه الأوامر لقائد الجبهة المؤقت رائد الكحلاني الذي كان صديقي بصحبته “هذه آخر نقطة للتحرك، يمنع تجاوز هذه العلامة” وأخبرهم أيضاً أنه منذ الصباح نزع 7 ألغام وأن أغلب التبة مازالت ملغمة.
يحدد عبد الله مناطق الألغام ثم يضع حولها علامات بالأحجار والعصي أو الاخشاب وبعدها يتعامل معها وغيره ممن لديهم خبرة في هذا المجال. وكما يقول صديقي فالمنطقة كلها تقريبا تلتزم بتوجيهات هذا الفتى، مضيفاً “انا التزمت بأوامره لكني لم انتبه لحقيقة أن هذا الفتى ينزع الألغام، في الحقيقة كنت حزينا جدا وما زلت على فراق هشام ولم استوعب انه استشهد في ذلك المكان قبل يومين وزاد الحزن اننا وجدنا دم الشهيد مازال يخضب الطريق هناك في التبة”.
حياة الناس في الشقب وفي كل مناطق تعز التي تكتوي بحقد الحوثي وصالح بحاجة لمئة عبد الله، بحاجة لمتخصصين في نزع الألغام وبحاجة لفرق ترصد جرائم قوات الحوثي وصالح ضد الاهالي وضد الحياة بشكل عام.