قلعة القاهرةمن الصلحيين والأيوبيين مرورا بالرسوليين إلى العثمانيين، رافقت قلعة القاهرة في تعز سيرورة التاريخ اليمني الموغل بالقدم، وظلت شامخة بكبريائها تروي للأجيال المتعاقبة قصصا حية عن الزمن الجميل بملامحه وملاحمه.

تعتبر قلعة القاهرة أبرز معالم مدينة تعز اليمنية لما تمثله من بُعد حضاري يعكس عراقة ماضي الأقدمين وإبداعاتهم، مما جعلها قبلة للسياح وعشاق الفسحة في التاريخ.

ورغم أن المؤرخين كتبوا عن القلعة، فإن زيارتها تكشف أسرارا وجوانب إبداعية لا يمكن إدراك كنهها في ثنايا الكتب.

عبد الغني الصهباني وهو أحد أبناء تعز، قال إن شهرة القلعة ومكانتها التاريخية تجذبان الناس لزيارتها ليتعرفوا على إبداعات الأجداد “التي لا يوجد لها مثيل في هذا الزمان”.

ويرى أيمن الصبري أن القلعة تجسد الأصالة التي يفتخر بها اليمنيون ويتمنون أن يراها العالم كله، إلا أنه يشكو من عدم توفر الخدمات العامة في هذا المعلم التاريخي.

ودعا الصبري الجهات المختصة للاهتمام بالقلعة وتوفير الخدمات الضرورية وتخصيص ميزانية لها، وإنشاء موقع ترويجي باسمها وصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي.

نفاق ومدافن
المشرف العام للقلعة محبوب الجرادي، يشير لتميزها بأسرار لا يعرفها كثير من الناس كالأنفاق السرية وبرك المياه ومدافن الحبوب.

وقال الجرادي، بحديث للجزيرة نت، إن إدارة القلعة لديها طاقم إرشادي يستقبل الزوار ويطوف بهم في جميع مرافقها ويقدم لهم شرحاً تفصيلياً عن كل ما يخصها، لكنه انتقد عدم وجود ميزانية تشغيلية للمكان وغياب الدعاية له.

وطالب السلطات المحلية ومكتب الآثار بإعداد خطة تشغيلية وتوفير ميزانية مناسبة للقلعة لتتمكن إدارتها من تقديم الخدمات بشكل أفضل للزوار.

ويوضح الجرادي أن اليمنيين والسياح الأجانب كانوا يزورون القلعة بكثرة، غير أن إقبالهم عليها قل مؤخراً جراء الأوضاع التي تعيشها البلاد.

ويرى باحثون أن تاريخ القلعة يعود إلى ما قبل الإسلام، مستدلين بما وُجد فيها من مكتشفات أثرية ولغات.

الباحث المتخصص بتاريخ تعز محمد سيف سعيد يشير إلى وجود شواهد أخرى بمناطق مجاورة تؤكد أن البناء الأول للقلعة كان قبل الإسلام. واعتبر أن الصلحيين هم من جدَّد بناء القلعة بعهد عبد الله بن محمد الصليحي بالقرن الخامس الهجري، ثم تعاقب عليها الحكام حتى جاء الأيوبيون واتخذوها مركزاً عسكرياً، ومثلهم فعل الرسوليون الذين ازدهرت القلعة خلال حكمهم بالقرنين السابع والثامن الهجريين.

كما شهدت القلعة أحداثاً كثيرة أبرزها حصارها لأكثر من تسعة أشهر وقذفها بالمنجنيق في عهد الملك المجاهد.

معلم سياحي
واستمرت القلعة مركزاً عسكرياً وإدارياً في عهد العثمانيين. وبعد ذلك اتخذها الأئمة الزيديون سجنا للرهائن، واستمرت كمركز عسكري بعهد الجمهورية، إلى أن تم ترميمها وتأهيلها مؤخراً لتصبح معلما سياحيا مفتوحا للزوار.

وعلى الرغم من ترحيبه بترميم القلعة والاهتمام بها فإن سعيد يرى أنه كان لابد من وجود تنقيبات قبل الترميم، فهناك شبكة من السراديب طمست معالمها بالإضافة لوجود تحديثات لم تكن ضرورية وشوهت بعض معالم المكان، على حد قوله.

أما مديرة مكتب الآثار بتعز بشرى الخليدي، فترى أن ترميم القلعة الذي انتهى في فبراير/شباط من العام الماضي تم بمواصفات أظهرت المعالم التاريخية التي كانت مدفونة في باطن المكان.

كما أظهرت العديد من الاكتشافات كالأنفاق والسراديب. وترى أن ما يتناوله البعض بشأن الترميمات ربما جاء بسبب عدم الإدراك الكامل لطبيعة القلعة.

وقالت للجزيرة نت “حاولنا توفير بعض الإمكانيات البسيطة لجعل القلعة مركزاً لرفد ثقافة المجتمع والزائر للقلعة، وأقمنا متحفين فيها يحتويان على آثارها ومقتنياتها”.

وتشير لعراقة محافظة تعز حيث بلغت المواقع الأثرية فيها قرابة 174 بينها حصون وقلاع وسدود ومقابر بعضها يعود إلى ما قبل الإسلام.