بقلمبقلم – رحاب عبدالله


العصفورية كلمة شامية  تطلق على مستشفى الأمراض النفسية والعقلية وليعذرني الجميع فلم أجد توصيفاً مناسبا لما أُعلن عنه بالأمس غيرهذا التوصيف. 

تم الإعلان العصفوري في قاعة من قاعات القصر الجمهوري حيث  احتشدت بجمع تباينت ملامح الوجوه فيه من بؤس مطلق إلى فرحة عارمة وأنصت الجميع إلى المذيع المرتبك وهو يقرأ الإعلان  وماأن أنهى الفقرة الأولى حتى انهال التصفيق الحاد وارتفعت التهليلات وبدا الأمر أشبه بمباراة لكرة القدم  نجح أحد الفتيان فيها  في إحراز هدف لفريق حارته  في مرمى فريق الحارة المجاورة.
 في مشهد آخر التقطت عدسة الكاميرا صورة من الخلف لمجموعة من الضباط وقادة الجيش وهم يلوحون بأيديهم ويهتفون بكلمات لم أستبينها ولاأدري  حقيقة هل تعمدت الكاميرا تلك الوضعية أم أن المشهد جاء تلقائيا ليقول الكثير.
 انتهى الفصل المسرحي كالعادة لينضم إلى الفصول المسرحية الأخرى وعاد الجميع إلى منازلهم غير أني على يقين من أن محمد الحوثي لم يغادر القصر تلك الليلة ولعله اتخذ من تلك الطاولة العريضة
سريرا حتى إذا استيقظ في الصباح اطمأن إلى أن ماحدث بالأمس لم يكن حلما وأنه الآن الحاكم بأمر الله .
أعود إلى صلب الموضوع لأقول أنني لم أهتم  كثيرا بمن حضرالإعلان ربما لقناعة يقينية أن حضور هؤلاء وإن اختلفت الأسباب لايعدو أن يكون حفنة من بهارات حرص الحوثيون على رشها لتكتمل
الطبخة، لكن اهتمامي انصب على من لم يحضر الإعلان وماهية مواقفهم  ومدى استعدادهم لتلافي هذا السقوط الجديد و بناءً عليه انتظرت قليلا قبل أن أخط هذه السطور على أمل أن يخيب هذه المرة ظني السيء في موقف الجانب الآخر والذي تمثله الأمم المتحدة والدول الراعية ودول الأقليم والمنظمات الحقوقية و الأحزاب الأخرى ..الخ . لكن الأسف الذي أبداه بنعمر والقلق الذي أعرب عنه مجلس الأمم وعبرت عنه أمريكا والتباحث الذي لم يسفر عن قرارات  حاسمة  من قبل دول المنطقة والمواقف الغامضة لبعض الأحزاب  أكد لي  صدق ماسبق وتناولته في مقالاتي السابقة من أن
الشعب الذي  يستعر بنيران الفرقة والحروب والدمار والبؤس و يواجه القتل والسحل والخطف والتغييب  ويعاني الجور والتهديد والقمع والتنكيل و يخضع لسياسات الحرمان والتجويع والتركيع، الشعب الذي طال صبره وعسُر دربه وضاق صدره وازداد فقره وتكالب عليه الأعداء تكالب الذئاب على الفريسة هو فرس الرهان الحقيقي والوحيد وهومن سيعيد الأمور إلى نصابها دون أن يعول على الغير.
ولعل في هذا الموقف الذي سأرويه لكم مايؤكد مصداقية ماذهبت إليه، فقد  أتيح  لي ذات أمسية  أن أتابع حواراً حاد اللهجة بين ليبرالي وقومي حول تدخلات أمريكا والغرب في الشأن العربي وكيف أن سياسات تلك الدول قائمة على اعتبارات براغماتية محضة  وفي وسط الحوار اندفع الرجل الليبرالي مهاجماً صاحبه القومي ومدافعاً عن سياسات تلك الدول قائلا : أمريكا لم تطلب منك ألّا تنظف أمام
منزلك..!!
رغم  بساطة الطرح ورغم بعض التحفظات على مادار في ذلك الحوار القديم نسبيا( قديمنا هو جديدنا في الوطن العربي)  إلا أن  الملفت  في الموضوع هو أن  الجملة  التي ربما أُريد بها الإستخفاف  لم
تخلُ من حقيقة  يقر بها أرباب السياسة  وهي أن الوضع الداخلي لدولة مهما بلغ حجم التدخلات الخارجية فيها ومهما أقدم أصحاب الأهواء والمصالح فيها على المغامرة بخوض معارك أو تشجيع أخرى ضمن إطار مناطقي أو توجه سياسي ومهما  قامت بعض الدول المتصارعة  بتصدير صراعاتها  إلى  أرض تلك الدولة  يبقى  تماسكه  في الأول والأخير رهينة وعي القيادة في ذلك البلد وكفاءات القائمين عليه ومهاراتهم في الوصول بالسفينة إلى شاطئ الأمان و مدى التفاف الشعب حول تلك القيادة الوطنية الصادقة التي تضع نصب عينيها مصلحة  الوطن والمواطن.
 لذلك كله أقول لامفر من  أن يتولى الشعب زمام الأمور ويتصدى لكل هذا الجنون والطيش  والمؤامرات التي تريد له العودة إلى خيارين لاثالث لهما إما الحكم السابق وإما الحكم الإمامي ولتكن قيادته في هذه المرحلة الحاسمة  من أوساطه وممن لم تتلطخ  أياديهم بدماء الشعب ولم تنتفخ خدودهم من خيراته المنهوبة ولم تتلوث عقولهم بأفكار عنصرية بغيضة ونزعات طائفية مدمرة .  
أخيرا.. استغربت هذا الاستهجان الواسع لما قامت به صحيفة الجمهورية  حين تصدرت صفحاتها  عناوين تؤيد الإعلان فالحقيقة التي يعرفها الكثيرون  أن صحيفة الجمهورية ومنذ فترة لم يعد لها من
اسمها إلا كلمة الجهوية بعد أن تعطفت على الشعب وتنازلت عن  حرفي الميم والراء فالشعب من وجهة نظر القائمين عليها أولى بهما.