فبراير

مثلت ساحات الحرية في جميع أنحاء اليمن، ودرجة التلاحم الشعبي، وقدرة الشباب على إحداث التغيير المأمول الركيزة الأساسية لانتفاضتهم في 11 شباط/فبراير 2011م, لقد أربكت تلك الخيام الصغيرة في ساحة الحرية في تعز، ثم صنعاء، ثم الحديدة وعدن والبيضاء، وذمار، والضالع، وجميع المحافظات، نظام الحكم الذي بدأ يكشر عن أنيابه مجدداً محاولاً العودة بعد أن أسقط أحلام الثورة، وساء المجتمع أربع سنوات عقبها.
المسار الاجباري

بإيجازٍ وتيسير سنحاول القراءة سريعاً عن المحطات الماضية والمسار الإجباري للثورة الشعبية (الانتفاضة إن جاز التعبير وسأورد تعليلاً للتسمية لاحقاً
) بالمبادرة الخليجية بعد عام من القمع والتنكيل بالشعب اليمني وبالمظاهرات السلمية.
في تشرين الثاني/ نوفمبر2011 كان علي عبدالله صالح الرئيس المخلوع يوقع على نقل السلطة في الرياض بحضور القوى السياسية جميعها، لقد نقلت السلطة إلى نائب الرئيس عبدربه منصور هادي الذي ظل نائباً صورياً لقرابة العقدين، وبخبرته السياسية الضعيفة قرر الجميع أن تنقل السلطة إليه
. في 27 شباط/فبراير 2012 انتخب هادي رئيساً للبلاد، ودخل البرلمان اليمني وكان يبدو قوياً وصارم الوجه وعيناه متسمرتان للأمام بنظرة شبه ميتة، حتى بدا وكأنه يتفهم خطورة المهمة التي كُلّف بها، فرفع يده في الهواء، وردد القسم بالقرآن الكريم، وأصبح الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية اليمنية.
في 22 كانون الثاني/يناير 2015م انتهى عهدة، وأصبحت جماعة الحوثي هي التي تدير البلاد، لا ليست هي ” فمن نقل السلطة إليه هو الذي عاد فعلاً فالجيش الذي تقاتل فيما بينه في 2011 تخلى عن مواقعه العسكرية وسلم العتاد للحوثيين، وسقطت أكبر قبائل اليمن حاشد في شباط/فبراير 2014م، ثم سقطت الألوية المنضمة إلى الثورة الواحد تلو الأخر فسقط في 8 تموز/يوليو
2014 اللواء 310 وقتل قائده الشهيد حميد القشيبي، وفي 21 أيلول/سبتمبر 2014 سقطت الفرقة الأولى مدرع، وخسر الرئيس هادي قوى الثورة الواحدة تلو الأخرى، وأصبح ضعيفاً لا يقدر على حماية منزله.

أخطأت حكومة هادي بالتركيز على تنفيذ أحكام مبادرة الخليج المبهمة منعها من ان تكون حائلاً دون الانهيار التدريجي للبلاد، هذا ما عبّر عنه المحلل والناشط السياسي المعارض اليمني عبد الغني الإرياني بقوله “الحوثيون كانوا يتقدمون ولم يكن أحد مهتماً بذلك“.
في ذلك اليوم 28 شباط/فبراير 2012 تكللت جهود السفراء الأجانب والمسؤولين اليمنيين الذين عملوا بلا هوادة للخروج بصيغة اتفاق تضع حداً لمسيرة 33 عاماً من حكم الديكتاتور علي عبد الله صالح، وكان أعضاء البرلمان يبتسمون ويقبّلون بعضهم على الخد فرحا بانتهاء الحقبة الطويلة
. أما الصحفيون فقد تعبوا من شدة الإثارة، وملامح الفرحة بدت على وجوههم وهم يرون أحد أهداف الثورة المتمثل في إسقاط صالح قد تحقق فعلاً.
كان أمام هذه الثورة مهمة صعبة تتمثّل في تقويض دعائم النظام السابق واستبدالها بنظام جديد يرتكز على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة. وأنتج الحوار الوطني الذي انتهى في 25 كانون الثاني/يناير 2014 ومثل نقله لتحقيق الأهداف. لكن شاءت الأيام أن تمتحن الثورة اليمنية أكثر وأصبحت في 2015 في فراغ والجماعة المسلحة وحليفها يقوضون البلاد، ويزجون بقوى الثورة الواحدة تلو الأخرى في السجون أو بالقتل أو النفي
.
ومع ذلك فقد مثلت هذه الثورة زيادة الوعي لدى الجماهير اليمنية الحرة بأهمية التغيير بأدوات ديمقراطية كنتاج لمشروع الثورة بعيداً عن مشاريع الأنظمة السابقة وبعيداً عن أي أجندة مضرة بالوطن
.

خطيئة قوى الثورة
منذ ان أقسم الرئيس هادي في البرلمان اختفت قوى الثورة وكأنها قد سلمت ما بعاتقها، وانتهى دورها، وأخطأ الثوار والأحزاب السياسية في هذا الفعل الشنيع الذي أوصل البلاد إلى ما هي عليه، فالدور الأبرز يأتي لشباب الثورة في المراحل الانتقالية وما قبلها كان إسقاطاً فقط لرأس النظام، وما بقي من النظام سيحاول العودة بالإضافة إلى الانتهازيين من أنظمة سابقة ظننا خطأً أنها لن تفكر بالعودة خصوصاً أنها منذ 1962م ذابت في محيطها
..
عاد الحوثيون والمخلوع، واختفت قوى الثورة أو تفرقت أو أياً من المصطلحات المرادفة لحالة من الهيجان المحموم تجاه المناصب من قبل القوى السياسية وبعدها عن أهداف الثورة، لقد انتقل البلد إلى عجين متوارث من السلطة القمعية الاستبدادية الإمامية الكهنوتية ونظام عائلي دكتاتوري. ومن الواضح أن السلطة الأولى عادت فعلاً وسيطرت بشكل أكثر حمى من الجميع، وأن النظام العائلي بدأ يرتب أوراقه لمعركة النفَـس الأخير
.

الدور المرحلي لقوى الثورة
على قوى الثورة أن تعيد ترتيب الصفوف، وإسقاط كل الخلافات اللحظية والأطماع الحزبية الفئوية والابتعاد عن العتب الساخن بين القوى الثورية، وإيجاد الروابط، الحقيقية بين كل المكونات فالقادم سيقصي الجميع، وسيقفل البلاد كما كانت مقفلة من قبل
.
ويأتي هذا الدور عبر محورين رئيسيين
:-
المحورالأول: إعداد استراتيجية محكمة وليس تكتيكات مرحلية، وتحديد الأدوار المناطة بشباب الثورة، وأدوار السياسيين، فتحركات كل طرف مرتبطة بتحركات الأخر، وليضع شباب الثورة حدوداً وخطوطاً حمراء لا يتجاوزها السياسيون وتحدث الخلافات كما في السابق
.
المحور الثاني: إعادة ساحات الاعتصام والحشد الشعبي، وتأسيس فرقاً ومخارج للطوارئ فالثورة الآن تواجه ميليشا مسلحة لا تفقه في معايير حقوق الإنسان، ولا تتصرف كدولة، بل كهمجية عرقية، ومجموعة من الجنون الشاذ الذي يفتك بالوطن من أجل الدولة الكهنوتية
.
وما يجب التذكير به أن على الجميع إجراء المراجعات الدورية السابقة واللاحقة للقرارات، وتحكيم لغة الثورة وحدها، وعدم اشتراط أي نوع من أنواع الثورة المقبلة، والتحكم بمسارات انفجار المجتمع وتنظيم هذا الإنفجار حتى تستطيع قوى الثورة السيطرة عليه عقب نجاح الثورة بإذن الله
.
ـــــــ تنويه ــــــــــ

ماحدث في 2011م في مبادئ الثورات هي “انتفاضة” حاولت إصلاح النظام لتقليل الخسائر في البلاد وجعل الديمقراطية أكثر سلاسة في بلد مشبع بالسلاح، وعندما تفشل هذه الانتفاضات تتحول إلى ثورات “تجتث” الأنظمة السابقة بكل مكوناتها السياسية والاجتماعية، ومعها يصعب التحكم في المسارات اللاحقة
. لكن يعتقد الكاتب أن اليمنيين أكثر نضجاَ في الاجتثاث وصيغه الخاصة بالبلاد ستذهب بإتجاه أعداء الثورة وحدهم، وسيسيطر الثوار على الأوضاع في المرحلة القادمة.
وكلنا أمل أن يعيش البلد في خير
.