*يحيى عبدالرقيب الجُــبَيحي13335472_942924272471528_1521688744_n.gif
ـــــــــــــــــــــــــــــ

ما أقسى وأمر من فراق الوطن .. وتزداد المرارة واللوعة في الذات حينما يأتي الفراق إخراجاً أو لأسباب ودوافع مقصودة .. ليصبح الفراق ذاته .. بمثابة هروب مؤقت ! بسبب ما بأن ما يحدث بوطني العزيز من مآسي وويلات ومحن والتي بات يتجرعها الخاص والعام ” وكل من لا يقدر على فراق وطنه .. وبجانب تجرع هذه الآفات والمحن .. ظل أمثالي تُمارس عليه بين آن وآخر بعض المضايقات الصبيانية والمقصودة لهدف الإذلال وغير الإذلال ! .. حامداً لله أن اقتصرت المضايقات على ذلك قياساً لبعض الزملاء ممن تعرضوا للقتل أو للأسر أو لتبر بعض أجزاء الجسم ؟! سائلاً الله أن يرحم من كتبت له الشهادة ويفك أسر من لا يزال أسيراً وشفاء من لا يزال يُعاني .. مع أن الإذلال الذي ظل يقابله أمثالي هو أشد وطأة على النفس الحرة مما عداه .. ولأن أمثالي مستقل حزبياً ولا يستند إلى قوة تحميه من البطش والقهر والإذلال .. ولا يملك عدا قلمه وثباته على مبادئه وإخلاصه لتوجهاته ولوطنه .. فقد رأيت فراق الوطن مؤقتاً .. مكرراً .. مؤقتاً.. فقد آليت على نفسي أن لا أرى لي بعد توفيق الله بيتاً ولا قبراً بغير اليمن ! .
وها أنا اليوم أستنشق هواءً نقياً وحرية نسبية خارج الوطن ” بعد أكثر من أربعة عشر شهراً من استنشاق القهر والذل والاستهبال والتسلط ! .
هنا أنا في بيت العرب الأولى – قاهرة المُعز .. الفاتحة ذِراعيها لاستقبال كل مَن يغدُ إليها .. كما هي عادتها دوماً !! .
وها أنا أشاهد ” الأهرام ” التي تمثل قمة الحضارة الإنسانية والمدهشة حساً ومعنى ومدى ما وصل إليه الإنسان المصري من عبقرية وعطاءً !! .
ولأن حضارة ” الأهرام ” وغيرها ظهرت على الأرض قبل ظهور رسالة التوحيد الخالدة لتضيء العالم بنور الإسلام .. فهي لعمري أفضل وأشرف وأجل من تواجُد صور ” اللات ” و ” العزى” بمعظم شوارع وأزقة صنعاء الحبيبة وغيرها من شوارع بعض مدن اليمن ! .. وعبر شعارات غبية وكلمات زائقة لتصل إلى وصف صاحب تلك الصورة المبثوثة بكونه ” قرآن ناطق ” .
أجل ” صنعاء العزيزة .. التي ما إن تميل الشمس للمغيب ويأتي المساء حتى يسودها ظلام وعبث وسكون رهيب !! وإن كان ذلك بات هو شأن معظم محافظات ومدن اليمن اليوم لكنه يزداد ألماً وأسى لدى من يُعانيه بصنعاء العاصمة كونها عنوان اليمن وأصبحت بمثابة الأُم الرؤوم لكل يمني دون استثناء وبدون مضايقة ولا حقد ولا أذى . مع أن ربع المبلغ الذي صُرف من المال العام على رفع تلك الشعارات والصورة الموحشة والوضيعة والعبثية كأصحابها !! كان كفيلاً بإنارة نصف هذه العاصمة المظلومة أيضاً من بعض المحسوبين عليها من أبنائها ! .
أجل .. فارقت الوطن مؤقتاً بعد أن بات ينبت الموت على أرضه في كل ساعة من ليل أو نهار ! وبات المواطن يعيش البؤس والظمأ والظلام .. ويموت دون أن يعرف سبب موته !! ومن لم يمت برصاصة .. مات جوعاً أو قهراً.. بل بات وطني اليمني .. بمثابة جحيم خوفاً ومرضاً وموتاً وجهلاً وجوعاً لمعظم اليمنيين .. وبمثابة جحيم من الحقد والكراهية والبغض والغناء الطارئ والوجل بسبب ذلك كله لقلة قليلة من اليمنيين ! وهم الذين باتوا اليوم يتحكمون بكل شؤونها عبر القوة والإكراه .. ودون أي مسوغ قانوني أو رادع من ضمير ! اليمن القلعة الشامخة في عالم الحضارات والتكوين .. السند والملجأ للإسلام وبني الإسلام .. التي قوضــت عـــروش وجيــوش .. وشيــدت قــلاع وحصـــون وأقــامت ونسفــت إمبراطوريات ودول ! .
اليمن .. المنبع الدائم للأصالة والعروبة والشهامة والبطولة ! التي لم تنحني لطاغية ؟!! .
وذلكم هو ما يدفع أمثالي لتساؤل مرير ومحزن .. كيف أمكن لليمن وهي بهذه الصفات التي هي بمثابة غيض من فيض أن يخرج من بين أحشائها هؤلاء أشباه الرجال العابثين بأرضها وعرضها – بمكانها ومكانتها .. بكرامتها وبكل مواطنيها ! الطارئين على دنيا السياسة .. البعدين عن أصالة الزعامة .. والذين لا يستطيعون أن يرون أبعد من أنوفهم وذواتهم !! ولا أقول أن اليمن أنحنت لمثل هؤلاء الطغاة !! حتى ولو أنه انحناء .. فهو مؤقت وبمساعدة ومؤازرة حفنة ضئيلة من اليمنيين بسبب تراكم الجهل والغباء وحب الذات ! .. حتى بات أمثالي يردد قول الشاعر :
إذا الجهل خيم في بلاد
رأيت اسودها مسخت قرودا
– أجل .. انحناءٌ مؤقت فما بُني على باطل فهو باطل .. والله لا يُصلح عمل المُفسد .. فها هو العد التنازلي قد بدآ جلياً ! وعند عودتي إلى الوطن .. قريباً بعون الله وفور الوصول إلى أرض اليمن الحبيبة – سوف أردد قول الشاعر :
تحكموا واستطالوا في تحكمهم..
وعن قريب كأن الحكم لم يكن
ولوأنهم أَنصفوا أنصفوالكن بغوا فبغى
عليهم الدهر بالآفات والمحن
وأيّاً كان الحال .. فإن فراقي للوطن مؤقت وقصيرُ .. كما آمل ! لكنني فارقتُ اليمن الأرض والعبث والجاه الكاذب والتأليه المقدس ! . والمعقد سياسياً.. العائش على بعض الصراعات الحزبية والقبلية والفئوية .. والتي هي مؤقتة أو هكذا يجب القول !! وبقي اليمن العظيم بالخير والجمال والحب والأمل والعظماء.. بقي وسيظل بهذه الصفات المؤنسة.. في القلب والشعور والوجدان والحل والترحال .
فما أمرََّك أيها الوطن العزيز .. وما أحلاك .