14732289_1140773786003864_9124692530864295576_n

_محمد المياحي

وبعد ان ماتت سماح في رصيف تهامة، سنترصدكم في كل نهار، سنقف لكم كتفّ بجانب الاخرى لنصٌبَ الزيوت المحروقة في كل مناسبة تحتفلون فيها بحقوق السباع، سنحاصر تخمتكم بجسد الطفلة سماح ، سنطّلعٌ عليكم من مخالب الوحوش ومن بطون البعوض التي أكلت اجسادنا ؛ لنتولى مهمة اذلالكم ولنخمش وجوهكم المصَفّفّة بمساحيق حقوق الانسان.
لا هدنة معكم بعد اليوم ، لن نرفع نعالاً واحدا في جباهكم ، ان الاحذية اكثر شرفا من اعراضكم المتآكلة …

البارحة، ومن احدى سواحل البحر الأحمر اعلنت الطفلة الجائعة سحر تكفين جثة العالم المريض،
هذه الطفلة ذات الجلد الرملي بصقت في وجه الوجود البشري وقررت ان تحضن التراب وتغفو، وتنام دون مذلة!

تأكّد لها ان العيش في هذا الزمن يخصم من وجودها الانساني الشريف!
انني اسمعها الآن وبوضوح:
كأنها تقف برجليها النحيلتين فوق نهود تهامة و تصرخ من اعماق البحر ومن منحدر الانسانية السحيق تهتف : لا حاجة لي بهذه الحياة المعطوبة؛ لدي_ تحت الرصيف _ما يكفي من الطين لأرضع حتى أَشِبٌ، وكثير من الحصى لألهو مع اطفال قريتي اللذين فتك بهم الجوع قبلي..

وهناك في بطن الارض موتى كثيرون من سكان البراري ، أتدرون، انهم اكثرَ نظافةً منكم، معهم، لا وحشة في الليل، ولا شتات في النهار!
وحين يهزمني النوم لن اتوجع اذا ما نمت في عراء القبور، ولن تَمَسّني مذلةَ الحاجة للبشر، وكرامتي بعد اليوم ستغدو جمرة من ذهب الله وموقداً من لغز الغيب!
لا احداًٌ، لا احداً هناك سيجرؤ على الاقتراب من وجهي ويعبس فيها كما كنتم تفعلون ، لا مخلوق يمكنه المساس ببرج الخلود المقدس الذي اسنكه، ثم احضنه ويحضنني وننام كل ليلة…

يا عالم من رذيلة :
انّ الحياةَ المتعفنة بهذا الشكل تناسبكم، تنسجم مع وجودكم الاخلاقي المتفحم، اما اني سأقف لكم بالمرصاد في بوابة العدم، اسوق عليكم لعنات الليل الطويل، واحشد جيش السماء لحرب اليالي الطويلة، حتى نستعيد خبزنا وحليبنا وفراشة كانت تنام جوارنا ..

وعند انقشاع غطاء السماء سأٌخبر الله اني مُتٌ جائعاً، سيمنحني خبزا بيده، وسأرتمي في حضنه، سيداوي هذه الجروح الغائرة في جسدي ، سنبدأ الحساب :
سأستعيد كل رضعة حليب سلبتموها مني هنا.
سأمزَعٌ شحمَ وجوهكم خجلاً امام الرب ، وحين يسألكم :
كيف ماتت سماح جائعة في أرضي ؟
لحظتها تسقطون عراة بلا اجابة!