_فكرية شحرة

كانت مظاهر عشقي للنظافة قد ظهرت في مبكراً, تنميها نظرات أمي الفخورة بنشاطي الزائد الذي يفوق حجمي أحياناً, حتى عبارة “تشامة خادمة” التي كانت تصفعني بها أحياناً حين أرهق هذا الجسد لم تكن تؤثر في أبداً كنظراتها الفخورة، و كلمات الإطراء والاعجاب من الجميع .
مازالت تلاصقني متعة تنظيف كل شيء اتسخ كفلسفة حياة, تحسين القبيح لا يكون إلا بعمل شاق ومبادرة ذاتية, أحيانا أتلقف نفسي منهكة ببعض الأضرار، لكن متعة الانجاز تنسيني كدمات الألم ..
أحيانا أجدني مبتهجة أمام أكوام الصحون والقدور كأنني في حفل تلميع وتفكير, فلطالما راودتني أفكار فلسفية مؤثرة وأنا أغسل الملابس أو أكنس المنزل أو حتى أعد الطعام, لهذا أحتفظ بدفتر وقلم على مقربة من يدي أو جيبي أتصيد بهما أفكاري قبل أن تتلاشى مع بخار الطعام أو تنزلق مني بالنسيان .
عقول البعض منا تمتلئ بالسخام كقدور الطعام وتحتاج للتنظيف المستمر .
حين تندفع الأوساخ أمام ضربات المكنسة يخالجني شعور براحة النصر, يمكننا أحداث التغيير للأجمل حتى بمكنسة قش .
وصل بي هوس التنظيف لصندوق رسائلي, أحبه خاليا من تراكم الرسائل, و عبثا أحاول مع نفسي الإبقاء على رسالة تحتوي رابط ما قد أحتاجه أو اتفاق ما يجب أن أحتفظ بنصيته .
أحيانا أحذفها قبل الفتح ..كي يبقى صندوق رسائلي نظيفا ..
أعشق فوضى التصرفات و مزاجيتي مدمرة, لكنني أمقت فوضى الأماكن وعدم الترتيب والنظام, ازدواجية عجيبة لم أفهمها بعد ولا يهمني كثيراً أن أفهم.
قالت لي سيدة كبيرة السن ذات يوم : أن حرصي على كل شيء نظيفاً ومرتباً مصدره الكسل كي لا أنظف أو أرتب مجدداً .
خلصت حينها إلى أني مهما كبرت لن أفهم كبار السن أبداً ..
هل يجب أن ينقلب المكان رأسا على عقب كي أبدو سيدة نشيطة ..