بقلمبقلم – يونس عودة

هب عنترة العبسي من نومه مذعورا, فزعا ,يرغي ويزبد, مولولا:” ويح بني عبس, وتبا لشبكة الانترنت, ومن يقف وراءها . لقد شغلت الناس عن ذكر بطولاتي, وصولاتي في ميدان الوغى, فهل يعقل أن يلتف الملايين في العالم, حول صندوق صغير, أشبه بصندوق الحلوى, ضاربين ببطولاتي وأمجادي عرض الحائط ؟ وااذل بني عبس, فقد اندثر مجدها وغابت شمسها”.                 .
في الحقيقة , إنها نقلة نوعية رهيبة في مجال العلم والتطور. فلو عدنا لبضعة عقود خلت, لرأينا المعاناة والضنك , والجهد في تسيير دفة الحياة, وانجاز المعاملات ؛ فهذا موظف منكب على مكتبه , يكتب ثم يمحو , ثم يعدل ما كتب , ولربا اهريق مداد يراعه على بقية الأوراق فأتلفها. وذاك يخط بيده رسائل دعوة  لحفل ما , وأخر – في أحسن الأحوال- يحاول جاهدا الاتصال ببدالة الهاتف المهترئة , علها توصله بعاصمة بلده .                                                             .
فما هو شعورك الآن وقد أضحى العالم كله بين يديك ؟
فأنت الآن قاب قوسين – أو أدنى من ذلك – من أرقى المؤسسات الاكاديمية , وأرقى دور النشر , وأحدث المستشفيات , بل وحتى عن مركبة فضاء, على كوكب آخر.كيف بك, وأنت تحمل في حقيبة يدك مئات الآلاف من الكتب, والمنشورات, والمطبوعات في اسطوانات مضغوطة معدودة؟ ألا يعد ذلك تكسيرا, وهدما لكل الأسوار, والحواجز المحيطة بقرانا, ومدننا, وعواصمنا , بل وحتى قاراتنا؟.
فبإمكانك الآن حضور اجتماع في باريس وأنت في وطنك. وبإمكانك المضاربة بالأسهم المالية في بورصة نيويورك ولم تغادر مكتبك المتواضع في قريتك, و التنبؤ عن حال الطقس لأسبوع  أو أكثر مسبقا. كما يمكنك إجراء بعض العمليات الجراحية المعقدة عبر الانترنت, أضافة لدفع فواتير الماء والكهرباء, متجنبا عناء الوقوف في طابور له أول وليس له آخر.ولربا رغبت في شراء بعض الكتب أو المستلزمات الالكترونية عبر تلكم الشبكة العنكبوتية واستقبالها في البيت.
كل هذا- وهو غيض من فيض- وعنترة العبسي ما زال يقف مشدوها أمام هذه الثورة العلمية مرددا:” كل هذا يخرج من هذا الصندوق الذي لا يتعدى حجمه حجم خوذتي هذه”؟ والسؤال الآن : هل سيأتي يوم تدب العاطفة والشعور في هذا المنجز العظيم لتصبح علاقتنا به أخوية حميمية؟ سنرى.